المتحف المصري الكبير.. على ضفاف النيل تتجدد الحضارة وتتعانق أمجاد الفراعنة مع حاضر مصر

د. محمد سامي
مدير مركز قرار للتدريب والاستشارات
استشاري التربية الخاصة والعلاقات الأسرية
في قلب التاريخ، حيث يهمس النيل بأسرار آلاف السنين، تفتح مصر ذراعيها اليوم للعالم معلنة ميلاد صرح حضاري جديد هو المتحف المصري الكبير، الحدث الذي لا يخص المصريين وحدهم، بل الإنسانية جمعاء. إنه ليس مجرد متحف، بل جسر من الضوء بين ماضٍ خالد وحاضر ينهض من ضفاف الزمن.
منذ فجر التاريخ، لم تكن مصر مجرد أرضٍ تسكنها الحضارات، بل كانت الحضارة نفسها، التي علّمت العالم معنى البناء والفكر والخلود. إنها الحضارة الوحيدة التي خُصّت بعلمٍ كامل باسمها: علم المصريات (Egyptology)، ذلك العلم الذي يدرّس في أرقى الجامعات ويملأ مناهج العالم من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، شاهداً على تفوق المصري القديم في الهندسة والطب والفلك والفن والإدارة.
ولم يكن من المصادفة أن يُقام المتحف المصري الكبير في هذا المكان الفريد، بمحاذاة الأهرامات، تلك الأعجوبة الخالدة التي حيّرت العلماء وألهمت الشعراء وأبهرت الزوار على مر العصور. لقد صُمم الموقع بعناية ليكون نافذة تطل على الأهرام، وكأن المتحف يمد يده إلى أجداده الفراعنة قائلاً: “ها نحن نحمل رسالتكم إلى المستقبل”.
افتتاح المتحف المصري الكبير هو لحظة فرح واعتزاز لكل مصري، لحظة تُعيد إلى الأذهان أن من بنى أعظم حضارة في التاريخ لا يزال قادرًا على الإبداع والإنجاز.
وقد تحوّل هذا الحدث إلى عيدٍ عالمي، إذ اجتمع قادة وزعماء من مختلف دول العالم في القاهرة، ليشهدوا هذا الشرف العظيم، وليؤكدوا أن مصر لا تزال منارة الحضارة، ومركز إشعاعها الثقافي والإنساني.
إن المتحف المصري الكبير ليس مجرد مبنى يضم آلاف القطع الأثرية، بل رمز لإرادة أمة تعرف قدر ماضيها وتسعى لتصنع مستقبلها، يروي للعالم أن الحضارة المصرية ليست صفحة في التاريخ، بل كتابٌ مفتوح تُكتب فصوله حتى اليوم.
وها هي مصر، على ضفاف نيلها الخالد، تُعيد للحضارة مجدها، وللإنسانية ذاكرتها، وللعالم درسًا في أن من يعرف أصله لا يضيع طريقه أبدًا.
لقد كان بناء هذا الصرح العظيم حلمًا مصريًا ظل يتشكل عبر السنين، حلم أن يُقام متحف يليق بتاريخ بلدٍ وهب العالم فجر الإنسانية. اليوم يتحقق الحلم على مساحة تتجاوز خمسمائة ألف متر مربع، ليصبح أحد أكبر المتاحف الأثرية في العالم، ومركزًا للبحث والتعليم والتواصل الثقافي.
يقف المتحف على ربوةٍ تطل على أهرامات الجيزة، في مشهد بصري يأسر العيون، وكأن الحاضر يمد يده إلى الماضي في حوارٍ من الجلال والعظمة.
تتألق واجهته الحجرية المهيبة تحت شمس القاهرة، فيما تتسلل أشعتها لتضيء الممرات والقاعات، في تذكيرٍ بما كانت تفعله الشمس في معابد طيبة والأقصر، وكأن الطبيعة تشارك في الاحتفال.
ويستقبل المتحف زواره بتمثال الملك رمسيس الثاني، شامخًا في بهوه الفسيح، كأنه يعود من أعماق التاريخ ليقود الموكب الحضاري من جديد.
وفي أروقته الممتدة، تُعرض أكثر من مئة ألف قطعة أثرية تحكي قصة الإنسان المصري منذ فجر التاريخ، من بينها كنوز الملك توت عنخ آمون التي تُعرض كاملة لأول مرة، في مشهد يأخذ الأبصار ويفتح القلوب على دهشة البدايات.
لكن المتحف لم يُبنَ ليحفظ الآثار فقط، بل ليكون منارة علمية وثقافية وإنسانية، يضم مركزًا متطورًا للترميم والبحث الأثري، وقاعات عرض تفاعلية تجعل الزائر يعيش التجربة كما لو أنه يسافر عبر الزمن. إنه متحف المستقبل الذي يجمع بين التاريخ والتكنولوجيا، وبين الأصالة والابتكار.
ولم يكن يوم افتتاحه حدثًا محليًا فحسب، بل مهرجانًا عالميًا حضره قادة وزعماء وشخصيات دولية كبرى، جاءوا ليشاركوا مصر هذا المجد، وليؤكدوا أن القاهرة ما زالت قلب التاريخ النابض.
كانت الفرحة تملأ الشوارع، والأعلام ترفرف، والوجوه تشع بالفخر، حين أعلن الرئيس المصري افتتاح المتحف الكبير، وكأن أرواح الأجداد تبارك أبناءها وتقول: “لقد أوفيتم بالعهد”.
على ضفاف النيل، يتعانق الماضي مع الحاضر في مشهد لا يشبه سوى مصر، مشهد يقول للعالم إن الحضارة لا تموت، وإن من صاغ أول حرفٍ في التاريخ لا يمكن أن يُمحى أثره.
فالمتحف المصري الكبير ليس فقط صرحًا أثريًا، بل رسالة إنسانية تحمل للعالم أن مصر كانت ولا تزال مهد الحضارة، وموطن الإبداع، ومصدر الإلهام لكل شعوب الأرض.






