بقلم: د. محمد سامي سعيد

مدير مركز قرار للتدريب والاستشارات – استشاري التربية الخاصة والعلاقات الأسرية

في عالم تتسارع فيه الخطى نحو الرقمنة ويتحول فيه كل شيء إلى فضاء رقمي متصل، باتت المعرفة تبحث عن مساحتها الجديدة، تلك التي تصل فيها إلى الإنسان أينما كان، وتخاطبه بلغته، وتمنحه ما يحتاجه من دعمٍ وفهمٍ وتوجيه. وفي ظل هذا التحول الهائل، تبرز أهمية المنصات المتخصصة التي تجمع بين الجانب العلمي الرصين والجانب الإنساني العميق، فتجعل من العلم رسالةً ومن التخصص عطاءً، لا مجرد مادة تُدرّس أو معلومة تُنشر.

إن المنصات التي تهتم بالصحة النفسية والتربية الخاصة تقدم اليوم نموذجًا متقدمًا في خدمة الإنسان، لأنها تمس أعماقه، وتتعامل مع أدق ما فيه: عقله، مشاعره، وطريقته في التعلم والتفاعل مع الحياة. هذه المنصات لا تكتفي بنقل المعرفة، بل تعمل على تحويلها إلى أدوات للتغيير الحقيقي، تُسهم في بناء وعيٍ مجتمعيٍّ أكثر رحمة واحتواء، وتمنح المتخصصين والأسر مساحة للتعلم والنقاش والنمو.

ومن بين هذه المبادرات التي استطاعت أن تدمج بين الأصالة العلمية وحداثة العصر، تبرز منصة احتواء بوصفها تجربة رائدة في العالم العربي، تهدف إلى تقديم محتوى متخصص في مجالي الصحة النفسية والتربية الخاصة بأسلوب حديث يتماشى مع روح العصر، مستفيدة من تطور المنصات الرقمية والذكاء الصناعي، دون أن تفقد الجانب الإنساني الذي هو روح رسالتها.

احتواء لا تقدّم نفسها كمنصة إخبارية فحسب، بل كمساحة علمية وتدريبية تجمع بين الخبراء والممارسين والمهتمين. من خلال ما تقدمه من ورش ودورات ومحاضرات علمية، تفتح المجال للتعلم المتجدد وتبادل الخبرات بين المتخصصين في مجالات تعديل السلوك، النطق والتخاطب، العلاج الوظيفي، ودعم الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة. وقد حرصت المنصة على أن تشمل برامجها محاور شاملة تمس الجوانب الأكاديمية والإنسانية معًا، مثل برنامج صعوبات التعلم الذي يعالج واحدة من أكثر القضايا التربوية انتشارًا في مدارسنا، ويقدم للمعلمين والأسر استراتيجيات علمية وعملية لمساعدة الطفل على التعلم بطرق تتناسب مع قدراته الفريدة، وتمنحه الثقة بنفسه ليواصل طريقه دون شعور بالعجز أو الإقصاء.

وفي جانب آخر، تقدم المنصة برنامج الإرشاد الأسري (أسرة آمنة) الذي يُعدّ نموذجًا متكاملاً لدعم الأسرة العربية في مواجهة تحديات الحياة اليومية، من ضغوط التربية إلى التوترات النفسية والعلاقات الزوجية والتواصل مع الأبناء. هذا البرنامج يقدّم المعرفة بلغةٍ قريبةٍ من القلب، ويجعل من الإرشاد الأسري رحلة وعيٍ تُمكّن الأسرة من بناء بيتٍ أكثر هدوءًا وتوازنًا.

الجميل في احتواء أنها لا تضع حدودًا بين الأكاديمي والإنساني، فهي تدرك أن العلم إذا لم يلمس القلب لا يُحدث الأثر المطلوب، وأن المعرفة إذا لم تُترجم إلى فهمٍ وسلوكٍ ورعايةٍ تظل حبيسة الورق. لذا تجد في كل ما تقدمه لمسة دفءٍ وصدقٍ وشعورًا بالمسؤولية تجاه الإنسان قبل كل شيء.

في زمنٍ أصبحت فيه المعلومات متاحة بضغطة زر، تظل المنصات المتخصصة مثل احتواء هي التي تمنح المعنى للمعرفة، وتعيد للعلم رسالته الإنسانية. إنها لا تسعى إلى الكم، بل إلى الأثر، ولا تلهث وراء السبق، بل وراء الفهم. ومع كل ورشةٍ تُقام، أو دورةٍ تُطرح، أو مقالٍ يُنشر، تُبنى لبنة جديدة في وعيٍ عربيٍّ متجدد يؤمن بأن التربية الخاصة والصحة النفسية ليست رفاهية، بل أساس لبناء مجتمع سليم.

إن احتواء بخدماتها وبرامجها المتنوعة تمثل اليوم نموذجًا عربيًا متقدمًا في الجمع بين التخصص العلمي والرؤية الإنسانية، وتؤكد أن المستقبل الحقيقي للتربية والصحة النفسية لن يكون في الكتب وحدها، بل في المنصات التي تعرف كيف تحتضن الإنسان، وتمنحه العلم مع الدفء، والمعلومة مع الأمل.