الخميس، ٦ نوفمبر ٢٠٢٥ - ١٦ جمادى الأولى ١٤٤٧ هـ - ٠١:٤٦ القاهرة
هيئة التحرير

رئيس مجلس الإدارة

م/عمرو محـمـد

المدير التنفيذى

د/أحمد عبدالـوهــاب

العناد يقتل العلاقات انت الخاسر .. فلا تكن فريسة لعنادك

img_preview
الناشر : خاص احتواء الثلاثاء، ٤ نوفمبر ٢٠٢٥ في ٠٨:٢٠

بقلم /د. محمد سامي سعيد

مدير مركز قرار للتدريب والاستشارات

استشاي التربية الخاصة والعلاقات الأسرية

العناد هو الجدار الصامت الذي يبنيه الإنسان بينه وبين من يحب، ظانًّا أنه يحمي به كرامته، بينما في الحقيقة يهدم به الجسور التي تربطه بالآخرين. إنه كبرياء متنكر في هيئة قوة، لكنه في جوهره خوف من الضعف وخشية من أن يُفهم اللين ضعفًا. والحقيقة أن الحب لا يعيش في قلوب متصلبة، ولا ينمو في أرض يغمرها الجفاء.

حين يتسلل العناد إلى بيتٍ، يخمد فيه دفء المبادرة، وتتبدل لغة “أنا أحبك” إلى “أنا لن أتنازل”، ويتحوّل الحوار إلى معركة لإثبات الرأي لا لإثبات الود. كم من علاقة بين زوجين كان يمكن أن تُشفى بكلمة طيبة أو نظرة حنون، لكنها ماتت بصمتٍ متعمدٍ أو بردٍّ قاسٍ لا ضرورة له. وكم من أبٍ خسر ابنه لأنه أصرّ على أن يكون على صواب دائمًا، وكم من صديقين افترقا لأن كليهما انتظر الآخر أن يبدأ.

هذه سارة وأحمد، بدأت قصتهما بخلاف بسيط حول زيارة الأهل، لكنها انتهت بصمتٍ طويلٍ امتد أيامًا. قالت هي في نفسها: “سأنتظر أن يأتي ويعتذر”، وقال هو: “هي من بدأت، فلتتراجع.” مضت الأيام، وغابت الكلمات، وتسللت القسوة إلى القلوب. لم يكن الخلاف يستحق خسارة علاقة كاملة، لكن العناد حوّل الموقف الصغير إلى جدارٍ شاهقٍ لا يُرى خلفه الحب القديم.

وفي بيتٍ آخر، أبٌ وابنه، يجلسان على مائدة واحدة ولا يتبادلان الحديث. الابن يشعر أن والده لا يفهمه، والوالد يرى أن ابنه تجاوز حدوده. كلٌّ منهما يحمل في داخله حبًا كبيرًا، لكنه مكبّل بالكبرياء. الابن يقول: “هو أبي، لماذا لا يلين؟” والأب يقول: “هو ابني، لماذا لا يحترمني؟” وبين “هو” و”لماذا” ضاعت لغة القلب.

حتى بين الأصدقاء، يزرع العناد فراقًا مرًّا. صديقان منذ الطفولة، اختلفا في رأي، وكل واحدٍ ينتظر مكالمة الآخر. تمر الأيام، ثم الشهور، ثم يلتقيان صدفة، لكن شيئًا ما انكسر في الداخل. لحظة عنادٍ واحدة أهدرت ذكريات سنواتٍ من الود.

التحليل النفسي للعناد يكشف أنه في كثير من الأحيان ليس إلا طريقة خاطئة للتعبير عن الذات. فالعنيد لا يقصد الأذى بقدر ما يريد أن يقول: “أنا موجود، لا تهمّشني، لا تتجاهلني.” لكنه يختار وسيلة مؤذية لإيصال صوته، فيفهمه الآخر على أنه قسوة أو تحدٍّ، بينما هو في داخله يتألم ويطلب التقدير. هو في العمق يقول: “اقترب مني، لا تتركني”، لكنه يظهر بمظهر من يقول: “ابتعد، لا أحتاجك.” وهنا تبدأ المأساة الحقيقية، حين لا تُفهم المشاعر على حقيقتها.

علينا أن نتذكر أن الأصل في العلاقات هو الود والمبادرة والحب. أن نكون طيبين لا يعني أننا ضعفاء، بل أننا أقوياء بما يكفي لنغلب غضبنا ونختار الخير رغم الألم. فالمؤمن الحق هو من يخالط الناس ويصبر على أذاهم، لأنه يعلم أن التنازل من أجل بقاء المودة ليس انكسارًا، بل نضجًا ورحمة.

الحب لا يعيش في أجواء التحدي، بل في ظل التفاهم. الزوج الذي يبادر لا يخسر كرامته، والزوجة التي تبتسم بعد خلاف لا تهين نفسها، والصديق الذي يمد يده بعد جدال لا يُهان، بل يثبت أنه أكبر من لحظة الغضب. لقد خلقنا الله بعقولٍ تفكر وقلوبٍ تشعر، وجعل من اللين والرحمة صفتين للمؤمنين.

ولكي نتجاوز العناد داخل أنفسنا، نحتاج أن نمارس الصدق مع الذات. أن نسأل أنفسنا عند كل خلاف:

هل ما أفعله الآن يقربني من من أحب أم يبعدني عنه؟

هل صمتي يحمي كبريائي أم يهدم علاقتي؟

هل هذا الموقف يستحق أن أخسر قلبًا لأجله؟

الخطوة الأولى لتجاوز العناد هي الاعتراف به. ثم اختيار اللين بدل القسوة، والتفهم بدل التحدي، والحوار بدل الصمت. تعلم أن تبدأ، ولو كنت ترى أنك على حق، فالمبادرة ليست خضوعًا، بل نضجًا وكرامة.

ولنعلم جميعًا أن من يبدأ بالصلح لا يخسر، بل ينتصر على نفسه، وهذا أعظم الانتصارات. فقل: “سامحني”، “اشتقت إليك”، “لن نختلف بعد الآن بهذه الطريقة.” كلمات صغيرة، لكنها تنقذ علاقات كبيرة.

لا تجعل عنادك سببًا في أن تفقد من تحب، فبعض القلوب إن كسرتها مرة، لن تعود كما كانت أبدًا.

اعلن معنا
Ehtwaa_logo

احتواء نيوز هي منصتكم الأولى التي تجمع بين الصحة النفسية، والتربية الخاصة ، واللايف كوتشينغ ، في رؤية متكاملة تعزز نمو الإنسان ورفاهيته على المستويات كافة

اتصل بنا

العنوان : حدائق الأهرام - البوابة الأولي
الهاتف : 01556650744
الايميل : ehtwaanews@gmail.com
programming-jeeks Designed by