الخميس، ٦ نوفمبر ٢٠٢٥ - ١٦ جمادى الأولى ١٤٤٧ هـ - ٠١:٤٥ القاهرة
هيئة التحرير

رئيس مجلس الإدارة

م/عمرو محـمـد

المدير التنفيذى

د/أحمد عبدالـوهــاب

السلام الداخلي.. الدفء الذي نبحث عنه رحلة إلى الهدوء والسكينة

img_preview
الناشر : خاص احتواء الأربعاء، ٥ نوفمبر ٢٠٢٥ في ٠٨:١٨

بقلم د. محمد سامي سعيد

مدير مركز قرار للتدريب والاستشارات

استشاري التربية الخاصة والعلاقات الأسرية

يظل السلام الداخلي هو الحلم الأكبر الذي يسعى إليه الإنسان منذ خُلق على وجه الأرض، لأنه جوهر الطمأنينة التي يبحث عنها في كل تجربة وكل علاقة وكل إنجاز. إننا نركض وراء المال، والمكانة، والحب، والنجاح، لكننا لا نعي أن كل هذا الركض في جوهره ما هو إلا محاولة غير مباشرة لبلوغ حالة واحدة فقط: أن نشعر بالسكينة في داخلنا، أن نعيش في انسجام مع أنفسنا قبل أن نحاول التفاهم مع العالم.

السلام الداخلي ليس صمتًا، ولا انسحابًا من الحياة، بل هو مهارة عيش، وفلسفة وجود، واتزان بين ما نريده وما نستطيع فعله، بين ما نحلم به وما كتبه الله لنا. هو أن تنام قرير العين حتى وإن لم تملك كل ما تريد، لأنك راضٍ عن الطريق الذي تسلكه، وواعٍ بأن كل ما مضى كان لحكمة، وكل ما سيأتي بقدرٍ جميلٍ ينتظرك.

مكونات السلام الداخلي كثيرة، لكنها تبدأ من المصالحة مع الذات؛ أن تتوقف عن معاقبة نفسك على أخطاء الماضي، وأن تفهم أنك لست ما حدث لك، بل ما تختاره أنت أن تكونه بعد ما حدث. السلام الداخلي لا يسكن قلبًا مثقلًا بالندم، ولا عقلًا مشغولًا بالمقارنة. لذلك، أول خطواته هي أن تغفر لنفسك، ثم للآخرين، لأن الغفران لا يمنح الحرية للطرف الآخر بقدر ما يمنحها لك أنت.

ثم يأتي الاتزان العاطفي، وهو الركيزة التي تساند النفس في مواجهة تقلبات الأيام. الاتزان لا يعني البرود أو التجاهل، بل هو أن تبكي عندما يجب البكاء، وتضحك حين يحين الفرح، دون أن تترك مشاعرك تتحكم في قراراتك أو تسلبك قدرتك على التفكير. فالقوة ليست في ألا نتألم، بل في أن نعرف كيف نُشفى بعد الألم.

أما المكوّن الثالث فهو التفكير الهادئ، وهو أن تتعامل مع الأفكار السلبية لا كموجات تبتلعك، بل كغيومٍ عابرة. أن تدرك أن لا أحد يملك السيطرة الكاملة على الخارج، لكننا نملك دائمًا مفاتيح الداخل. كلما تعلمت أن تهدأ قبل أن ترد، وأن تفكر قبل أن تحكم، وأن تؤجل الغضب حتى تمر العاصفة، كنت أقرب إلى لبّ السلام الداخلي.

وطريقة الحياة التي تُعين الإنسان على بلوغ هذا السلام ليست طريقًا واحدًا، بل منظومة من العادات اليومية.

ابدأ صباحك بالامتنان بدل الشكوى، فالعين التي ترى النعم تنعم، والعين التي لا ترى سوى النقص تتعب.

اقتطع من يومك وقتًا للصمت، لتستمع إلى نفسك دون ضجيج العالم.

لا تلاحق كل خلاف، ولا ترد على كل استفزاز، فبعض المعارك لا تستحق أن تخوضها، لأن خسارتك لراحة بالك أعظم من أي انتصارٍ ظاهري.

تعامل مع الناس برفق، فسلامك مع الآخرين لا يُبنى على كبت الغضب، بل على فهم أن كل إنسان يقاتل حربًا لا تراها.

وفي العلاقات الإنسانية، السلام الداخلي يتجلى في القدرة على الحب دون تملك، وعلى العطاء دون انتظار مقابل، وعلى الفهم بدلًا من الاتهام. في الزواج مثلًا، السلام لا يعني غياب الخلافات، بل وجود الحكمة التي تمنعها من أن تتحول إلى جراح. وفي علاقة الأخوة أو الصداقة، السلام أن نغفر الزلات الصغيرة، وأن لا نهدم جسور الود بسبب لحظة كبرياء.

ولمن لا يهتم بسلام داخله، تذكّر أن الإنسان قد يملك كل شيء ويفقد نفسه في الزحام. قد يضحك أمام الناس، لكنه ينهار بصمت حين يختلي بذاته. لا شيء في الدنيا يعادل راحة الضمير وصفاء القلب، لأن من فقد سلامه فقد بوصلته، ومن فقد بوصلته لم يعرف يومًا أين الميناء.

إن السلام الداخلي ليس منحة من احد فلا يأتيك من الخارج، بل ثمرة تُزرع في داخلك أنت قناعة بالصبر، والرضا، والتوازن، والنية الطيبة.. حوارٌ صادق مع الذات كل صباح، وقرارٌ واعٍ بأن لا نسمح للكراهية أن تسكننا، ولا للغضب أن يقودنا، ولا للخوف أن يشلّنا.

فليكن سعيك اليومي أن تحافظ على طمأنينتك كما تحافظ على حياتك، وأن تحمي سلامك كما تحمي قلبك. فكلما تصالحت مع نفسك، صار العالم أكثر لطفًا، وصار وجودك في هذه الحياة أكثر جمالًا.

اعلن معنا
Ehtwaa_logo

احتواء نيوز هي منصتكم الأولى التي تجمع بين الصحة النفسية، والتربية الخاصة ، واللايف كوتشينغ ، في رؤية متكاملة تعزز نمو الإنسان ورفاهيته على المستويات كافة

اتصل بنا

العنوان : حدائق الأهرام - البوابة الأولي
الهاتف : 01556650744
الايميل : ehtwaanews@gmail.com
programming-jeeks Designed by