بقلم. ندي ناجي شعيب

عندما نتحدث عن الإعلام، لا بد أن نعود بالزمن آلاف السنين إلى حيث بدأت الحكاية على ضفاف النيل.
فقد أدرك المصريون القدماء مبكرًا أن الكلمة والصورة والنقش ليست مجرد وسائل للتعبير، بل أدوات لبناء الوعي وتشكيل هوية الأمة.
من ورق البردي إلى جدران المعابد، ومن الرموز الهيروغليفية إلى دور الكهنة، جسّد الإعلام في مصر القديمة أعظم أشكال التواصل التي عرفها التاريخ.

وسائل الإعلام في مصر القديمة

استخدم المصريون القدماء مجموعة متنوعة من وسائل الإعلام لنقل المعلومات والأفكار والتواصل بين الحاكم والشعب. هذه الوسائل لم تكن بدائية كما قد يُظن، بل كانت متقدمة في مضمونها وأثرها.

الكتابة الهيروغليفية

اعتُبرت اللغة الهيروغليفية أداة راقية للتعبير عن الفكر الإنساني، واستخدمت في النصوص الدينية والسياسية والاجتماعية.
وكان الكتبة يتلقون تدريبًا خاصًا لإتقان هذا الفن الراقي الذي جمع بين الجمال والوظيفة.

النقوش على جدران المعابد

كانت النقوش بمثابة صحفٍ حجرية تسرد أحداث التاريخ وتوثّق الانتصارات العسكرية، إلى جانب نقل المعتقدات الدينية والطقوس.
وقد لعبت دورًا محوريًا في حفظ تاريخ الدولة المصرية القديمة ونقل رسائلها إلى الأجيال التالية.

الرسائل على ورق البردي

لعبت الرسائل المكتوبة على ورق البردي دورًا بالغ الأهمية في التواصل الإداري والسياسي، إذ كانت وسيلة رسمية بين الحكام والشعوب لنقل الأوامر والتعليمات وتبادل الأخبار.

الرموز والصور

لم تكن الزخارف الفنية مجرد تزيين، بل كانت لغة بصرية تعبّر عن القيم والمعتقدات والانتصارات.
استخدم المصريون القدماء الرموز والصور في المجالات السياسية والاجتماعية والدينية، لتصبح مرآةً للهوية المصرية القديمة وروحها الخالدة.

دور الكهنة

كان للكهنة حضور قوي في المشهد الإعلامي المصري القديم؛ فقد تولّوا نقل المعرفة الدينية والثقافية، وتفسير الظواهر الطبيعية، وقيادة الطقوس والمراسم.
كما عملوا كوسطاء بين الآلهة والبشر، فشكّلوا طبقة مثقفة ذات نفوذ روحي وفكري، تسهم في توجيه الرأي العام آنذاك.

دور الإعلام في بناء الحضارة المصرية

امتدت أهمية الإعلام في مصر القديمة عبر آلاف السنين، مؤكدة أنه كان — ولا يزال — قوةً مؤثرة في تشكيل المجتمعات وتوجيهها.
فقد كانت الحضارة المصرية رائدة في استخدام وسائل متعددة لنقل المعرفة وتوثيق التاريخ وصياغة الوعي الجمعي.
ومن خلال النقوش والرموز والبرديات، نجح المصري القديم في بناء نظام إعلامي متكامل يخدم الدين والسياسة والثقافة معًا.

الإعلام.. مرآة الحضارة ولسانها الناطق

وهكذا نرى أن الإعلام في الحضارة المصرية القديمة لم يكن مجرد وسيلة لنقل الأخبار أو الرموز، بل أداة لصناعة الوعي وبناء الهوية المصرية عبر العصور.
استخدم المصريون القدماء الكلمة والصورة والنقش لتخليد إنجازاتهم ونشر معتقداتهم، حتى أصبحت جدران معابدهم وصفحات بردياتهم سجلًّا حيًّا لحضارةٍ ما زالت تبهر العالم حتى اليوم.

إن عظمة مصر القديمة لا تكمن فقط في أهراماتها وآثارها، بل في قدرتها على استخدام الإعلام كقوة فكرية وثقافية لتوجيه الشعوب وحفظ التراث الإنساني عبر الزمان، مما يجعلها بحق أول من أدرك أن الإعلام هو مرآة الحضارة ولسانها الناطق.

تابعوا موقع احتواء نيوز& ehtwaanews.com لاكتشاف المزيد من أسرار الحضارات القديمة، وأثر الإعلام في بناء الوعي الإنساني عبر العصور.