مدير التحرير يكتب سائقو المشاريع في الإسكندرية.. دولة داخل الدولة والضحية مواطن مسكين!

مدير التحرير علاء ثابت مسلم يكتب سائقو المشاريع في الإسكندرية.. دولة داخل الدولة والضحية مواطن مسكين!
في محافظة الإسكندرية، وتحديدًا في طرقها الرئيسية، لم يعد المواطن يتعامل مع “سواقين مشاريع”.. لا يا سادة، إحنا قدام جمهورية مستقلة اسمها: دولة الميكروباص!
سائق يقطع الطريق كأنه بيقسم “ميراث”، يقف حيث يشاء، وينزل الركاب حيث يشاء، ويقرر مصير المرور حسب مزاجه اليومي. أما المواطن؟ فده آخر أولوياته… أصلّه “محتسب على الله” زي ما بعض السائقين شايفين.
والأجمل من كده، إنك تلاقي كل ده بيحصل في غياب كامل للرقابة:
لا مرور…
ولا محافظة…
ولا حتى “نص عين” بتتابع!
وكأننا في “غابة مرورية” شعارها: الأقوى يسبق، والأضعف يرمى نفسه على جنب.
كما أن سائقي المشاريع تحولوا إلى قوة لا تُسأل عما تفعل. يقف السائق حيث يشاء، يقطع الطريق كأنه يرسم حدوده الخاصة، ينزل الركاب في منتصف الشارع كأن الأرصفة اختفت من الوجود، ويتعامل وكأن الطريق ملك خاص له وحده. أما المواطن المسكين، فهو المتفرج الدائم على هذا المشهد المتكرر الذي تحول إلى فيلم يومي طويل لا نهاية له.
وبالإضافة إلى أن الطريق لم يعد وسيلة للوصول، بل أصبح ساحة صراع. المواطن يخرج من بيته وكأنه ذاهب إلى معركة، يتنقل بين السيارات محاولًا النجاة من الفوضى، يسمع أصوات الكلاكسات تتصارع كأنها جوقة ضوضاء بلا قائد، ويرى زحامًا لا يُعرف له بداية ولا نهاية. المارة يسيرون على حواف الخطر، والسيارات تتسلل من كل زاوية، والنتيجة واحدة: أعصاب منهكة ووجوه مرهقة ومزاج عام فقد صبره منذ زمن.
حين تمر بالمنشية في أي وقت من اليوم، تشعر أنك دخلت يوم الحشر. كل شيء مزدحم فوق طاقته، الكل مستعجل، والكل متأخر، ولا أحد يعرف متى تنتهي هذه الفوضى المزمنة. الناس حفظت مواعيد الزحام وأماكنه، لكن أحدًا لم يحاول أن يغير شيئًا، وكأن المشهد أصبح قدرًا محتومًا لا مفر منه.
المواطن اليوم لا يبحث عن رفاهية، بل عن لحظة هدوء. يخرج مبكرًا ليتفادى الزحام، فيقع فيه، ويعود متأخرًا بعد أن فقد نصف طاقته على الطريق.
وأما النساء، أمهاتنا وأخواتنا، فيواجهن معاناة مضاعفة داخل مواصلات مزدحمة، وسط سلوكيات عشوائية تجعل التنقل اليومي تجربة مرهقة تفقد معها المدينة ملامحها الحضارية.
الغريب أن كل هذا يحدث في غياب واضح لأي رقابة حقيقية، لا مرور يراقب بجدية، ولا جهة تتدخل بحزم. المواقف العشوائية تنتشر كأنها أمر واقع، والفوضى تتجذر في الشوارع دون مقاومة تُذكر. الجميع يشكو، لكن لا أحد يتحرك، وكأن المسؤولية أصبحت كرة تتقاذفها الأيدي دون أن تصل إلى صاحبها الحقيقي.
الحلول لا تأتي بالتصوير ولا باللقطات الإعلامية السريعة، بل تأتي بالتنظيم المستمر والإدارة الحازمة والرؤية الميدانية التي تضع المواطن في مقدمة الأولويات. المشكلة ليست في الزحمة نفسها، بل في غياب النظام الذي يسمح بتكرارها، وفي غياب العقاب الذي يشجع الفوضى على الاستمرار.
الإسكندرية التي كانت يومًا رمزًا للجمال والنظام، أصبحت اليوم تختنق بزحامها وتئن من عشوائيتها. ومع ذلك، يبقى الأمل قائمًا في أن تعود المدينة إلى رونقها حين تجد من يضع حلولًا حقيقية على الأرض، لا شعارات في الهواء. المدينة لا تحتاج معجزة، بل إرادة حقيقية تنظم الفوضى وتعيد الاحترام إلى الطريق والمواطن معًا.
إن المشكلة لم تعد في السائق الذي يتجاوز، بل في الصمت الذي سمح له أن يفعل. وحين يعود النظام، ستعود معه روح الإسكندرية القديمة؛ مدينة البحر الهادئ، والشوارع المنظمة، والوجوه التي تبتسم بدلًا من أن تلعن الزحام كل صباح.






